الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَمْلِكُهُ , فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ , إِلاَّ الْوَالِدَيْنِ خَاصَّةً , وَالأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ فَقَطْ , فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ كُلُّهُمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ اسْتُسْعُوا. وَهُمْ كُلُّ مَنْ : وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ أَبٍ. وَكُلُّ مَنْ : وَلَدَهُ هُوَ مِنْ جِهَةِ وَلَدٍ أَوْ ابْنَةٍ , وَالأَعْمَامُ , وَالْعَمَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا كَيْفَ كَانُوا لأَُمٍّ أَوْ لأََبٍ , وَالأَخَوَاتُ وَالْإِخْوَةُ كَذَلِكَ. وَمَنْ نَالَتْهُ وِلاَدَةُ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ أُجْبِرَ عَلَى ابْتِيَاعِهِمْ بِأَغْلَى قِيمَتِهِمْ وَعِتْقِهِمْ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُمْ بَيْعَهُمْ , فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ أَوْ مَلَكَ ذَا مَحْرَمٍ بِغَيْرِ رَحِمٍ لَكِنْ بِصِهْرٍ أَوْ وَطْءِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُمْ وَلَهُ بَيْعُهُمْ إنْ شَاءَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ , مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ , أَوْ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ كَذَلِكَ , أَوْ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَقَطْ. وَلاَ يَعْتِقُ الْعَمُّ ، وَلاَ الْعَمَّةُ , وَلاَ الْخَالُ ، وَلاَ الْخَالَةُ , وَلاَ مَنْ وَلَدَ الأَخُ أَوْ الْأُخْتُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ , وَمَكْحُولٍ , وَمُجَاهِدٍ , وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ , وَلاَ رُوِيَ عَنْهُمْ : أَنَّ مَنْ عَدَا هَؤُلاَءِ لاَ يَعْتِقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ , وَمَنْ وَلَدُهُ هُوَ كَذَلِكَ , وَلاَ يَعْتِقُ غَيْرُ هَؤُلاَءِ , لاَ أَخٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : يَعْتِقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ حَتَّى ابْنُ الْعَمِّ ، وَابْنُ الْخَالِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ وَيَسْتَسْعِيهِمَا. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , فَإِنْ ذَكَرُوا : أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدَ عَتَقَ. قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ " إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ عَتَقَ " أَنَّ غَيْرَهُمَا لاَ يُعْتِقُ , وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إِلاَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِ مَنْ ذَكَرْنَا , وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ فَمَا يُحْفَظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ وَهُمْ أُلُوفٌ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ فَإِنْ قَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} قلنا : أَتِمُّوا الآيَةَ وَبِذِي الْقُرْبَى فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَالِدَيْنِ : وَأَمَّا الْوَلَدُ : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَمَّا الأَخُ : فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عليه الصلاة والسلام : إنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي. قَالُوا : فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ لاَ يَمْلِكُ أَخَاهُ. وَبِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْقَارِئُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلًى يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ اشْتَرَى أَخًا لَهُ مَمْلُوكًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ عَتَقَ حِينَ مَلَكْتَهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا أَثَرٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّ حَفْصَ بْنَ سُلَيْمَانَ سَاقِطٌ , وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سِيءُ الْحِفْظِ , وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ مَنْ عَدَا الأَخِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لاَ يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ. قال أبو محمد : هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : قال علي : وهذا لاَ يُوجِبُ الْعِتْقَ ; لأََنَّ الْإِحْسَانَ فُرِضَ إلَى الْعَبِيدِ , وَلاَ يَقْتَضِي ذَلِكَ عِتْقَهُمْ فَرْضًا , وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ فِي ابْنِ الْعَمِّ , وَابْنِ الْخَال لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ ; لأََنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ عليه السلام , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِهَذَا ابْنَ الْعَمِّ , وَابْنَ الْخَالِ : دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ ابْنِ الْخَالِ , وَهَكَذَا صَعَدًا , فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِنَا فَ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ تَعَلَّلَ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ وَأَخْطَأَ فِيهِ. . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا إذَا انْفَرَدَ بِهِ وَمَتَى لَحِقْتُمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنْ لاَ تَقْبَلُوا مَا رَوَاهُ الْوَاحِدُ عَنْ الْوَاحِدِ , وَكَمْ خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ رَاوِيهِ فَقَبِلْتُمُوهُ , وَلَيْتَكُمْ لاَ تَقْبَلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ , كَابْنِ لَهِيعَةَ , وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ , وَغَيْرِهِ. فأما دَعْوَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فَبَاطِلٌ ; لأََنَّهَا دَعْوَى بِلاَ برهان وَهَذَا مَوْضِعٌ قَبِلَهُ الْحَنَفِيُّونَ وَقَالُوا بِهِ , وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِهِ عِلَّةً , ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ , إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ السَّيِّدُ فَقَالُوا انْفَرَدَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَخْطَأَ فِيهِ , فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَى الْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحًا وَعَمِلُوا بِهِ , وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ خَطَأٌ فِيهِ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَتَرْكِهِ , وَرَأَى الْحَنَفِيُّونَ انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهَذَا الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ , وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ , فَهَلْ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى التَّلاَعُبِ بِالدَّيْنِ وَقِلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ) فَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ وَرَأَوْهُ حُجَّةً وَقَالُوا : لاَ يَضُرُّهُ مَا قِيلَ : أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ , وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ , ثُمَّ أَتَوْا إلَى مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثٌ فَقَالُوا : لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ , وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةً. وَقَلَبَ الْمَالِكِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ فَرَأَوْا رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ حُجَّةً لاَ يَضُرُّهُ مَا قِيلَ : مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ , وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ , وَلَمْ يَرَوْا خَبَرَ عِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ حُجَّةً ; لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا , وَالْمُنْقَطِعُ لاَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ قال أبو محمد : فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ ابْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ. وبه إلى بِنْدَارَ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , قَالَ شُعْبَةُ عَنْ غَيْلاَنَ وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , كِلاَهُمَا عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ ، هُوَ ابْنُ الأَحْنَفِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ : إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي جَارِيَةً لَهُ , وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالاَ جَمِيعًا : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إذَا مُلِكَ الأَخُ , وَالْأُخْتُ , وَالْعَمَّةُ , وَالْخَالَةُ عَتَقُوا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالاَ جَمِيعًا : كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَتَقَ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبَيْنِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ : مَنْ مَلَكَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَقَتَ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً لَهُ أَرْضَعَتْ وَلَدَهُ. قال أبو محمد : وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا حُجَّةً إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ : أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الْأُمَّ مِنْ الرَّضَاعِ , وَالأَبَ مِنْ الرَّضَاعِ , وَالْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ , وَالأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ : عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ , لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ قَالُوا بِهِ. قال أبو محمد : ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا : إنَّ السُّنَّةَ تُوجِبُ أَنْ يُعْتَقَ ذَوُو الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا ، وَلاَ بُدَّ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ). وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ). وَوَجَدْنَا " يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ , وَمِنْ النَّسَبِ " تَمَادِي مِلْكِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ وَذِي نَسَبٍ مَحْرَمٍ , فَوَجَبَ ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَحْرُمَ تَمَادِي الْمِلْكِ فِيمَنْ يَمُتُّ بِالرَّضَاعَةِ كَذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ. فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الأَحْتِجَاجِ فَوَجَدْنَاهُ شَغَبِيًّا : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لَيْسَ حَرَامًا , بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ " فَأَوْقَعَ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْزَمَ الْعِتْقَ , وَلَوْ لاَ صِحَّةَ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ. ثُمَّ وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ : إنَّ تَمَادِيَ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ يَحْرُمُ خَطَأٌ ; لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا إِلاَّ تَحْرِيمَ تَمَادِي الْمِلْكِ لَكَانَ الْعِتْقُ لاَ يَجِبُ ، وَلاَ بُدَّ , بَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ فَيَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ , أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيَبْطُلُ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَمَادِيَ الْمِلْكِ يَحْرُمُ , وَكَانَ الْحَقُّ أَنْ يَقُولُوا : إنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ عَقِيبَ الْمِلْكِ بِلاَ فَصْلٍ ، وَلاَ مُهْلَةٍ , وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام : إنَّهُ يَجِبُ فِي الرَّضَاعِ مَا يَجِبُ فِي النَّسَبِ , وَمَا يَجِبُ فِي الرَّحِمِ , وَلَوْ قَالَ هَذَا لَوَجَبَ الْعِتْقُ كَمَا قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَ : يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَمِنْ الرَّحِمِ فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ وَالتَّلَذُّذُ فَقَطْ , فَهُوَ حَرَامٌ فِيهِمَا مَعًا , وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ فَلَمْ يَمْلِكْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ , إذْ لَمْ يُوجِبْ النَّصُّ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَالِدَيْنِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ , فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ ، هُوَ ابْنُ حَازِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالِدَهُ " وَاتَّفَقَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ. وَاسْمُ " الْوَالِدِ " يَقَعُ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ , مَا لَمْ يَخُصَّهُمَا نَصٌّ , وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ الْوَاجِبَةَ لِلْعِتْقِ , وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ عَلَى أَبِيهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ : الْيَتِيمُ أُمُّهُ مُحْتَاجَةٌ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ قَالَ : نَعَمْ , قُلْتُ : فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَتُعْتَقُ فِيهِ قَالَ : نَعَمْ , يُكْرَهُ عَلَى إعْتَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَمَتَّعُوا بِهَا وَيَحْتَاجُوهُ. وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِ مَمْلُوكِهِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ , فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ , إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا , فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ , صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا , مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا , غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا , وَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ وَبِغَيْرِ حُكْمِ السُّلْطَانِ - : لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ) . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا حَدِيثُ الْمُدَبَّرِ نَفْسَهُ , رَوَاهُ : عَطَاءٌ , وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَأَبُو الزُّبَيْرِ , كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ , فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهُ قُلْنَا : لَوْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ لَكَانَ مَا قُلْتُمْ حَقًّا , وَأَمَّا إذْ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ يَبْتَاعُهُمَا مَعًا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ , فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ , فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا , قَافِيًا مَا لَا عَلِمَ لَهُ بِهِ . وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ , فَمَا يُبَالِي أَعْتَقَهُ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ , وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ , بَلْ هُوَ حُرٌّ وَلَا بُدَّ . وَمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ , وَلَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَلَمْ يَعْتِقْهُ , فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ; مَنْ أَعْتَقَ وَالِدَيْنِ مُحِيطٌ بِمَالِهِ رُدَّ عِتْقُهُ - وَلَا نَصَّ لَهُ فِي ذَلِكَ . وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ لاَ يَبْلُغُ ، وَلاَ عِتْقُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ مِنْ سَكْرَانَ أَوْ مَجْنُونٍ , وَلاَ عِتْقَ مُكْرَهٍ , وَلاَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ , لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ , إِلاَّ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ الدَّعْوَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ , وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَلْزَمُهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ , وَمَنْ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَقُولُ , حَتَّى لَوْ كَفَرَ بِكَلاَمٍ لاَ يَدْرِي مَا هُوَ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ , وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ أَخْلَصَ لِلَّهِ الدِّينَ بِمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ , فَهُوَ بَاطِلٌ. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ , وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ , وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَصَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام ، أَنَّهُ قَالَ : عُفِيَ لأَُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : عِتْقُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً , إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ حَارَبَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَأَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ فِي رَأْسِهِ خَبَلَتْ عَقْلَهُ , أَتُجِيزُونَ عَتَاقَهُ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا , وَهُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَمَّنْ تَزَنَّك عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطَعَ لَحْمَ سَاقَيْهِ وَكَوَى ذِرَاعَيْهِ عَبَثًا أَتُجِيزُونَ لَهُ الصَّلاَةُ جَالِسًا أَمْ لاَ لأََنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ وَعَمَّنْ سَافَرَ فِي قَطَعَ الطَّرِيقَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ أَيَتَيَمَّمُ أَمْ لاَ وَكُلُّ هَذَا يَنْقُضُونَ فِيهِ هَذَا الأَصْلَ الْفَاسِدَ. وقال أبو حنيفة : عِتْقُ الْمُكْرَهِ جَائِزٌ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : لاَ يَلْزَمُهُ وَمَا نَعْلَمُ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةً أَصْلاً , إِلاَّ آثَارًا فَاسِدَةً فِي الطَّلاَقِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الْعَتَاقُ مِنْ الطَّلاَقِ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِثَلاَثِ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَتَاقَ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّنَا لَسْنَا مَعَهُمْ فِيمَنْ هَزَلَ فَأَعْتَقَ , إنَّمَا نَحْنُ مَعَهُمْ فِيمَنْ أُكْرِهَ فَأَعْتَقَ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى نَحْسِهِ وَوَضْعِهِ ذِكْرُ إكْرَاهٍ ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ , وَلاَ إقْرَارَهُ , وَلاَ هِبَتَهُ : وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ , وَتَمَامُهَا فِي الَّتِي بَعْدَهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتَ حُرٌّ غَدًا , أَوْ إلَى سَنَةٍ , أَوْ إلَى بَعْدَ مَوْتِي , أَوْ إذَا جَاءَ أَبِي , أَوْ إذَا أَفَاقَ فُلاَنٌ , أَوْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ , أَوْ نَحْوُ هَذَا , فَهُوَ كَمَا قَالَ , وَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الأَجَلُ , فَإِنْ بَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ , وَلاَ عِتْقَ لَهُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ , وَلاَ رُجُوعَ لَهُ فِي عَقْدِهِ ذَلِكَ أَصْلاً , إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ; لأََنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمَّا وَصِيَّةٌ , وَأَمَّا نَذْرٌ , وَكِلاَهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِمَا , فَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَعْصِيَةٍ , أَوْ بِغَيْرِ طَاعَةٍ ، وَلاَ مَعْصِيَةَ : لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ ; لأََنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ , لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَقُولَ : لِلَّهِ , وَهَذَا حَقٌّ ; لأََنَّ الْعِتْقَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى , وَبِرٌّ وَقُرْبَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى , فَكُلُّ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ بِهَا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فَاسِدَةٌ : مِنْهَا مَنْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ جَازَ وَهُوَ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَرْبَعٌ مُقْفَلاَتٌ لاَ يَجُوزُ فِيهِنَّ الْهَزْلُ : الطَّلاَقُ , وَالنِّكَاحُ , وَالْعَتَاقَةُ , وَالنَّذْرُ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ , وَلَمْ يَسْمَعْ سَعِيدٌ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ; لأََنَّ ظَاهِرَهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , بَلْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا ; لأََنَّ الْهَزْلَ لاَ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ , وَالْعِتْقِ , وَالنَّذْرِ , فَإِذْ لاَ يَجُوزُ فِيهَا فَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ بِهِ , هَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَمَا يُرِيدُونَ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ : ثَلاَثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ وَالْجَادُّ سَوَاءٌ الطَّلاَقُ , وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ. ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا ; لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ صَدَقَةَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا فَبَعْضُ كَلاَمٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً , وَبَعْضُهُ لَيْسَ حُجَّةً , هَذَا اللَّعِبُ بِالدِّينِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ : ثَلاَثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ كَالْجَادِّ : النِّكَاحُ , وَالطَّلاَقُ , وَالْعَتَاقُ هَذَا مُرْسَلٌ , وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَسَنُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ : ثَلاَثٌ لاَ لَعِبَ فِيهِنَّ : النِّكَاحُ , وَالطَّلاَقُ , وَالْعَتَاقُ , جَابِرٌ كَذَّابٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لاَ لِقَوْلِهِمْ , وَهُوَ إبْطَالُ اللَّعِبِ فِيهِنَّ فَإِذًا بَطَلَ مَا وَقَعَ مِنْهَا بِاللَّعِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بَلَغَنِي أَنَّ مَرْوَانَ أَخَذَ مِنْ عَلِيٍّ : أَرْبَعٌ لاَ رُجُوعَ فِيهِنَّ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ : النِّكَاحُ , وَالطَّلاَقُ , وَالْعَتَاقُ , وَالنَّذْرُ وَنَعَمْ , كُلُّ هَذِهِ إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِينِ الإِسْلاَمِ فَالْوَفَاءُ بِهَا فَرْضٌ , وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ إبْلِيسُ , فَلاَ ، وَلاَ كَرَامَةَ لِلآمِرِ وَالْمُطِيعِ ثُمَّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِلْإِكْرَاهِ عَلَى الْعِتْقِ وَجَوَازُهُ , فَوَضَحَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِمْ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ الأَجَلُ , فَلأََنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحُرِّيَّةَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الآجَالِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ قَدْ يَجِيءُ ذَلِكَ الأَجَلُ وَالْعَبْدُ مَيِّتٌ , أَوْ السَّيِّدُ مَيِّتٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الأَجَلِ ; فَلأََنَّهُ قَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ , قَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ رُجُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ , إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ ; فَلأََنَّهَا كُلَّهَا عُقُودٌ صِحَاحٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ , إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِكَيْفِيَّةِ إبْطَالِهِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً , فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ عَقْدٍ صَحِيحٍ أَصْلاً , إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ عِتْقُ عَبْدِهِ الْكِتَابِيِّ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ مَلِكَهُ هُنَالِكَ أَوْ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ. وَلِحَضِّهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْعِتْقِ جُمْلَةً , إِلاَّ أَنَّ عِتْقَ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَجْرًا , وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ جَائِزٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ حَكِيمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ فَجَعَلَ عِتْقَ الْعَبْدِ الْكَافِرِ خَيْرًا. فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ الْمُسْلِمُ , وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ ; لأََنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ عُمُومًا , قَالَ عليه الصلاة والسلام : الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالآخَرُ كَافِرًا لَمْ يَتَوَارَثَا , لأَخْتِلاَفِ الدِّينِ. فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيِّ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَا مَعًا فَهُوَ عَبْدُهُ , كَمَا كَانَ , فَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يُسْلِمُ , وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ , وَمَا نَدْرِي لِلْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِنَظَرٍ. فإن قيل : أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ. قلنا : هَذِهِ حُجَّتُنَا , وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ بِالْخُرُوجِ أَعْتَقَهُ وَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ذَلِكَ. ثُمَّ يَقُولُونَ : إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ بِيعَ عَلَيْهِ . فَقُلْنَا : لِمَاذَا تَبِيعُونَهُ أَلأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِلْكُهُ لَهُ أَمْ لِنَصٍّ وَرَدَ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا : لأََنَّ مِلْكَهُ لَهُ لاَ يَجُوزُ. قلنا : فَإِذْ لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ لَهُ فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلاَ شَكٍّ , وَإِلَّا فَكَلاَمُكُمْ مُخْتَلِطٌ مُتَنَاقِضٌ , وَإِذْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ , وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَعْدُ مِلْكٍ لِغَيْرِهِ , فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ حُرٌّ , إذْ هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّ. وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا فَبَيْعُكُمْ إيَّاهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَضَيْتُمْ بِهِ مِنْ إبْقَائِهِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ حَتَّى يُبَاعَ وَلَعَلَّهُ لاَ يَسْتَبِيعُ إِلاَّ بَعْدَ سَنَةٍ وَبَيْنَ مَنْعِكُمْ مِنْ مِلْكِهِ مُتَمَادِيًا وَهَذَا مَا لاَ سَبِيل لَهُ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ وَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلاَءِ عَنْهُ ; فَلأََنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ , وَلاَ وَلاَءَ إِلاَّ لِلْمُعْتِقِ , أَوْ لِمَنْ أَوْجَبَهُ النَّصُّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَعِتْقُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزٌ ; لأََنَّهُ رَقَبَةٌ مَمْلُوكَةٌ , وَقَدْ جَاءَتْ أَخْبَارٌ بِخِلاَفِ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ فِيهَا ; لأََنَّهَا لاَ تَصِحُّ : مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى فَقَالَ : لاَ خَيْرَ فِيهِ , فَعْلاَنِ أُجَاهِدُ بِهِمَا أَوْ قَالَ أُجَهِّزُ بِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَى إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ , وَأَبُو يَزِيدَ الضَّبِّيُّ لاَ أَعْرِفُهُ. وَعَنْ الصَّحَابَةِ مُرْسَلَةٌ , وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا. وَمَنْ قَالَ : أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ. فَلَيْسَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَكِلاَهُمَا عَبْدٌ كَمَا كَانَ , وَلاَ يُكَلَّفُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا , فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ هَذَا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ حُرًّا , إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ , وَلاَ أَعْتَقَ هَذَا الآخَرَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ , فَلَيْسَ أَيْضًا حُرًّا , إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ , فَكِلاَهُمَا لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ , فَكِلاَهُمَا عَبْدٌ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ , وَلاَ يَجُوزُ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. وَمَنْ لَطَمَ خَدَّ عَبْدِهِ أَوْ خَدَّ أَمَتِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَتَئِذٍ إذَا كَانَ اللَّاطِمُ بَالِغًا مُمَيِّزًا . وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُمَا أَوْ حَدَّهُمَا حَدًّا لَمْ يَأْتِيَاهُ فَهُمَا حُرَّانِ بِذَلِكَ . وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لَا بِمُثْلَةٍ وَلَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا . فَإِنْ كَانَ اللَّاطِمُ مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمَلْطُومِ أَوْ الْأَمَةِ كَذَلِكَ , وَلَا غِنَى لَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا - اسْتَخْدَمَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا - فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَوْ عَنْهَا - فَهِيَ أَوْ هُوَ حُرَّانِ حِينَئِذٍ . لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , قَالَ غُنْدَرٌ : نا شُعْبَةُ , وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ , وَشُعْبَةُ , كِلَاهُمَا عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى قَالَ : سَمِعْتُ ذَكْوَانَ - هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ - يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ قَالَ : (دَعَا ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا فَقَالَ لَهُ : أَوْجَعْتُكَ ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَأَنْتَ عَتِيقٌ , ثُمَّ قَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ , أَوْ لَطَمَهُ , فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) . اللَّطْمُ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى الْخَدِّ فَقَطْ , وَهُوَ فِي الْقَفَا الصَّفْعُ . وَحَدِيثُ شُعْبَةَ , وَسُفْيَانَ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْد بْنِ مُقْرِنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا بَنِي مُقْرِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا إلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَعْتِقُوهَا , فَقَالَ : لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا , قَالَ : فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا) فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ . فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ : اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ) . قُلْنَا : لَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ بِعِتْقِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَتَى ذَنْبًا بِضَرْبِهِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ النَّارَ , فَلَمَّا أَعْتَقَهُ كَانَتْ حَسَنَةً أَذْهَبَتْ تِلْكَ السَّيِّئَةِ , كَمَا لَوْ فَعَلَ حَسَنَةً أُخْرَى تُوَازِيهَا أَوْ تُرْبِي عَلَيْهَا , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْعِتْقَ بِالْمُثْلَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : (أَنَّ زِنْبَاعًا خَصَى عَبْدًا لَهُ وَجَدَعَ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ مُثِّلَ بِهِ أَوْ حُرِّقَ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ , وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عليه الصلاة والسلام) . وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ : كَانَ زِنْبَاعٌ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا - وَهَذَا مَمْلُوءٌ مِمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ : يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ , وَابْنُ لَهِيعَةَ , ثُمَّ هُوَ صَحِيفَةٌ - وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا يُخَالِفُهُ ; لِأَنَّهُ يَرَى الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ . وَمِنْ طَرِيقٍ جَيِّدَةٍ إلَى مَعْمَرٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَجُلًا جَبَّ عَبْدَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ) وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ . وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ , وَلَا لِصَغِيرٍ , وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ - مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ , وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ - وَالنَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقُوا الْحَقَّ) وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيّ ضَعِيفٌ مُطْرَحٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ . وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُ الْمَالِكِيِّينَ لِصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذِهِ فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ , وَهُوَ قَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ إذْ جَعَلَ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ بَلْ أُعْتِقَ عَلَيْهِ عَلَى رَغْمِهِ , وَنَصُّ الْخَبَرِ أَنَّهُ مَوْلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ . وَجَعَلُوا الشُّفْعَةَ لِلْغَائِبِ , فَصَارَ حُجَّةً فِيمَا اشْتَهُوا وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِيمَا لَمْ يَشْتَهُوا , وَاحْتَجُّوا مِنْ خَبَرِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ بِعِتْقِ مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ وَخَالَفُوهُ فِي الشُّفْعَةِ وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ , وَلَا الشَّافِعِيُّونَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَاهُنَا حُجَّةً إذْ خَالَفَهُ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , فَإِذَا وَافَقَهُمْ صَارَ حِينَئِذٍ صَحِيحًا وَحُجَّةً . كَرِوَايَتِهِ فِي أُمِّ الصَّغِيرِ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي . وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ . وَرَدُّ شَهَادَةِ ذِي الْغَمْرِ لِأَخِيهِ , وَشَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِجَازَتُهَا لِغَيْرِهِمْ . وَقَدْ رَدَّ الْمَالِكِيُّونَ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَثِيرًا إذَا خَالَفَتْ رَأْيَ مَالِكٍ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا اللَّعِبِ بِالدِّينِ . وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ الْحَنَفِيِّينَ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا عَلَى النَّدْبِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ ; لِأَنَّ فِي الْخَبَرِ (أَنْتَ حُرٌّ , مَنْ مُثِّلَ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ) وَهَلَّا قُلْتُمْ مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ) وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ . وَقَالُوا : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ ؟ قُلْنَا : هَبْكُمْ قَدْ صَحَّ لَكُمْ ذَلِكَ - وَهُوَ الْكَذِبُ بِلَا شَكٍّ - فَأَعْتِقُوهُ ثُمَّ أَعْطُوهُ قِيمَتَهُ , بَلْ هَذَا خِلَافٌ آخَرُ جَدِيدٌ مِنْكُمْ لِمَا صَحَّحْتُمْ وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَ : أَنَّهُ بَلَغَهُ مِنْ عَدَدِ تَكْبِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَمْزَةَ , وَبَعْثَتِهِ لِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ , وَهُمَا حِكَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ ذَكَرَهُمَا أَصْحَابُ الْمَغَازِي , وَلَمْ تَعِيبُوا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَّتِي لَمْ يُشَارِكُّمْ فِيهَا أَحَدٌ , ثُمَّ عَمَلهَا أَيْضًا بَارِدَةً عَلَيْهِ لَا لَهُ . وَقَالُوا : لَعَلَّ عُمَرَ أَعْتَقَهُ لِغَيْرِ الْمُثْلَةِ . فَمُجَاهَرَةٌ قَبِيحَةٌ , لِأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهَا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ أَحْرَقَهَا فَأَعْتَقَهَا وَجَلَدَهُ , وَقَالَ لَهُ : وَيْحَك أَمَا وَجَدْتَ عُقُوبَةً إلَّا أَنْ تُعَذِّبَهَا بِعَذَابِ اللَّهِ " . وَذَكَرُوا أَيْضًا : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ : أَشْعَلَ رَجُلٌ وَجْهَ عَبْدِهِ نَارًا فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَعْتَقَهُ , ثُمَّ أُتِيَ عُمَرُ بِسَبْيٍ فَأَعْطَاهُ عَبْدًا , قَالَ الْحَسَنُ : كَانُوا يُعْتِقُونَ وَيُعَاقِبُونَ - يَعْنِي يُعْطِيه لِمَا أَعْتَقَهُ عَقَبَةَ مَكَانِهِ ؟ . فَقُلْنَا : هَذَا مَكْسُورٌ فِي مَوْضِعَيْنِ . رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ عَنْ الْحَسَنِ , ثُمَّ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ , وَلَمْ يُولَدْ إلَّا قَبْلَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ , ثُمَّ هَبْك أَنَّهُ صَحَّ فَافْعَلُوا كَذَلِكَ , وَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَكُونُ مَا احْتَجُّوا فِيهِ بِعُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ حَدًّا , وَأَنَّهُ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْخَيْلِ , وَوَرَّثَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ : حُجَّةً , وَلَا يَكُونُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ حُجَّةً هَذَا التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى . وَيَجْعَلُ الْمَالِكِيُّونَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا حُجَّةً , وَلَا يَجْعَلُونَ حُكْمَهُ فِي حَدِيثِ الضَّحَّاكِ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ حُجَّةً . وَذَكَرْنَا أَيْضًا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ لَقِيطٍ حَدَّثَهُمْ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَنْدَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِزِنْبَاعِ بْنِ سَلَامَةَ وَأَنَّهُ خَصَاهُ وَجَدَعَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ فَأَغْلَظَ الْقَوْلَ لِزِنْبَاعٍ وَأَعْتَقَهُ) - فَابْنُ لَهِيعَةَ لَا شَيْءَ , وَالآنَ صَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ ضَعِيفًا , وَكَانَ ثِقَةً فِي رِوَايَةِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ , أَلَا تَبًّا لِمَنْ لَا يَسْتَحْيِ ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إلَى عُمَرَ وَقَدْ أَحْرَقَ سَيِّدُهَا فَرْجَهَا فَقَالَتْ : إنَّ سَيِّدِي اتَّهَمَنِي فَأَقْعَدَنِي عَلَى النَّارِ حَتَّى أَحْرَقَ فَرْجِي فَقَالَ لَهَا عُمَرُ : هَلْ رَأَى ذَلِكَ عَلَيْك ؟ قَالَتْ : لَا , قَالَ : فَاعْتَرَفْت لَهُ ؟ قَالَتْ : لَا , قَالَ عُمَرُ : عَلَيَّ بِهِ , فَأُتِيَ بِهِ , فَقَالَ لَهُ : أَتُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ ؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدٍ) لَأَقَدْتُهَا مِنْك , ثُمَّ بَرَزَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ , ثُمَّ قَالَ : اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى , وَأَنْتِ مَوْلَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (مَنْ حُرِّقَ بِالنَّارِ , أَوْ مُثِّلَ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ , وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ , وَعَمْرُو بْنُ عِيسَى مَجْهُولٌ . وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ , وَفِي أَنْ لَا يُقَادَ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ , وَرَأَوْهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ , وَخَالَفُوهُ فِي الْقَوَدِ مِنْ الْحَرْقِ بِالنَّارِ , وَقَدْ رَآهُ عُمَرُ حَقًّا إلَّا فِي السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ , وَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ , وَفِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُمَثَّلِ . وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ رَأَوْهُ حُجَّةً فِي أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُقَادُ لَهُ مِنْ وَالِدِهِ , وَالْعَبْدَ لَا يُقَادُ لَهُ مِنْ سَيِّدِهِ , وَلَمْ يُجِيزُوا خِلَافَهُ , ثُمَّ لَمْ يَرَوْهُ حُجَّةً فِي جَلْدِهِ فِي التَّعْزِير مِائَةً , وَلَا فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ , فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ , أَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا الْعَمَلِ . ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ : أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ رَأَوْا مَا رُوِيَ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ إذْ عَقَرَ الْحِمَارَ وَهُوَ مُحِلٌّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَفِيكُمْ مَنْ أَشَارَ إلَيْهِ , أَوْ أَعَانَهُ ؟ قَالُوا : لَا , قَالَ : فَكُلُوا) حُجَّةً فِي مَنْعِ أَكْلِ مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ , وَلَمْ يَرَوْا قَوْلَ عُمَرَ هَاهُنَا " هَلْ رَأَى ذَلِكَ عَلَيْكِ ؟ أَوْ اعْتَرَفْتِ لَهُ ؟ " حُجَّةً فِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الْمُمَثَّلُ بِهِ إذَا عُرِفَ زِنَاهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ مُعَايَنَةٍ , وَلَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ لَكَانَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَاحْتَجُّوا كَمَا تَرَى بِهَذِهِ الْعُفُونَاتِ الْفَاسِدَةِ وَتَرَكُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ) فَالآنَ صَارَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ صَحِيفَةً , وَلَمْ يَصِرْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَوْنَهُ صَحِيفَةً إذَا اشْتَهَوْا مَا فِيهَا . وَقَدْ رَأَى الْمَالِكِيُّونَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ حُجَّةً فِي الْعُهْدَةِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا شَيْءٌ كَانَ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ , إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ إيَّاهُ , فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لِلسَّيِّدِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لأَمْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا وَقَدْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا : إذَا أَعْتَقْتِيهِ وَلَمْ تَشْتَرِطِي مَالَهُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِثْلُهُ : عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ : فِي عَبْدٍ كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ مِنْ سُرِّيَّةٍ لَهُ , أَنَّ مَالَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ , وَوَلَدَهُ أَحْرَارٌ , وَالْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ كَذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ , وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ زِيَادٌ : عَنْ الْحَسَنِ , وَقَالَ قَيْسٌ : عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا : عَنْ الْقَاسِمِ , وَسَالِمٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَرَبِيعَةَ , وَأَبِي الزِّنَادِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي وَمَكْحُولٍ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ يَحْيَى : عَلَى هَذَا أَدْرَكْت النَّاسَ , وَقَالَ رَبِيعَةُ , وَأَبُو الزِّنَادِ , سَوَاءٌ عَلِمَ سَيِّدُهُ مَالَهُ أَوْ جَهِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : مَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَهُ , وَأَمَّا أَوْلاَدُهُ فَلِسَيِّدِهِ , وَكَذَلِكَ حَمْلُ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَرَادَ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ لأََنَّ حَمْلَهَا رَقِيقٌ. وَقَالَ : هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا , أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا فَلَّسَا أَوْ جُرِحَا أُخِذَ مَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِمَا , وَلَمْ يُؤْخَذْ أَوْلاَدُهُمَا , وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَهُ كَانَ لَهُ , وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي الشَّرْطِ. قال أبو محمد : مَا رَأَيْنَا حُجَّةً أَفْقَرَ إلَى حُجَّةٍ مِنْ هَذِهِ , وَإِنَّ الْعَجَبَ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ يُعْرَفُ لَهَا رَاوٍ مِنْ النَّاسِ , لاَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ. وَالْخِلاَفُ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , بَلْ إنَّمَا رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَالنَّخَعِيِّ. وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ , وَمَالِكٌ مَعَهُمْ فِي جُمْلَتِهِمْ , وَهَؤُلاَءِ : عَلَى أَنَّ وَلَدَ الأَمَةِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ الصَّحِيحَةِ الْمِلْكِ , فَإِنَّهُ حُرٌّ , وَالْفَاسِدَةِ الْمِلْكِ , فَإِنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ حُرٌّ , وَعَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ. وَلاَ تَخْلُو أُمُّ وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ , فَوَلَدُهَا لَهُ إمَّا حُرٌّ , وَأَمَّا مَمْلُوكٌ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ , أَوْ لاَ تُعْتَقُ , وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ لِسَيِّدِهِ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ وَطْءُ أَمَةِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِالزَّوَاجِ , وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا , وَالْوَلَدُ غَيْرُ لاَحِقٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةُ غَيْرِهِ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ , وَلَيْسَ فِي الْبَاطِلِ , وَالْكَلاَمُ الْمُتَنَاقِضُ الَّذِي يُفْسِدُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِلْعَبْدِ لاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهَا , وَيَكُونُ وَلَدُهَا لِسَيِّدِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا , هَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ ، وَلاَ أَصْلَ لَهُ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِظُهُورِ فَسَادِهِ. وأعجب مِنْهُ مَنْعُهُ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أَمَتُهُ مِنْ أَجْلِ جَنِينِهَا , وَهُمْ يُجِيزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ , فَمَا الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ أُمِّهِ دُونَهُ وَهُمَا لأَثْنَيْنِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : كُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ أُمَّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهَا إذَا مَاتَ لاَ يُعَدُّ مِنْ الثُّلُثِ , وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَهُوَ لِلْعَبْدِ , وَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ , وَالشَّافِعِيِّ , قَالُوا كُلُّهُمْ : الْمُكَاتَبُ , وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ , وَالْمُعْتَقُ , وَالْمَوْهُوبُ , وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ , وَأُمُّ الْوَلَدِ يَمُوتُ سَيِّدُهَا : فَمَالُهُمْ كُلُّهُمْ لِلْمُعْتَقِ , أَوْ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : مَالُ الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : مَالُ الْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ : لِلسَّيِّدِ وَلِوَرَثَتِهِ. وقال أحمد , وَإِسْحَاقُ : مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لأَبْنِ مَسْعُودٍ فَأَعْتَقَهُ , وَقَالَ : أَمَا إنَّ مَالَك لِي , ثُمَّ قَالَ : هُوَ لَك. وَصَحَّ نَحْوُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ : أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَدَعَ مَالَكَ فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِمْرَانَ الْمَسْعُودِيُّ مَوْلاَهُمْ سَمِعَ عَمَّهُ يُونُسَ بْنَ عِمْرَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ). هَذَانِ لاَ شَيْءَ ; لأََنَّ عَبْدَ الأَعْلَى بْنَ أَبِي الْمُسَاوِرِ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالآخَرَ مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ الْقَاسِمَ لاَ يَحْفَظُ أَبُوهُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا فَكَيْفَ هُوَ. وَقَالُوا : قَدْ صَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ , إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَعِتْقُهُ كَذَلِكَ , وَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لأََنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ فَلاَ يُشْبِهُ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ جُمْلَةً , وَالْقِيَاسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ لاَ عَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقَالُوا : مَالُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. . فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ مَا هُوَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ , إِلاَّ أَنْ يَنْتَزِعَهُ , وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى فِي الْإِمَاءِ: وَقَوْله تَعَالَى : فَصَحَّ أَنَّ صَدَاقَ الأَمَةِ لَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْفَعُهُ إلَيْهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِيتَاءِ الصَّدَاقِ , فَلَوْلاَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا كُلِّفَ ذَلِكَ , وَلاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِصَدَاقٍ , إنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَبَعْدَ الْعَقْدِ , وَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِالْغِنَى فَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ مَالُهُ لَهُ فَهُوَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ. فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ. فإن قيل : قَدْ قِيلَ : إنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْطَأَ فِيهِ قلنا : إنَّمَا أَخْطَأَ مَنْ ادَّعَى الْخَطَأَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بِلاَ برهان ، وَلاَ دَلِيلٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا قَوْلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ " أَخْطَأَ ضَمْرَةُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سُفْيَانَ : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ ". وَقَالُوا : لاَ يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخَطَأَ عَلَى الثِّقَةِ بِلاَ برهان ثُمَّ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ أُولَئِكَ أَنْفُسِهِمْ هَاهُنَا أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ , وَتَعَلَّقَ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ : أَخْطَأَ ضَمْرَةُ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهِمْ : أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ , فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ بِالدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ : فَرَدُّوا الْخَبَرَيْنِ مَعًا , وَأَخَذُوا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِالْخَطَأِ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ، وَلاَ لِلْوَصِيِّ عِتْقُ عَبْدِ يَتِيمِهِ أَصْلاً وَهُوَ مَرْدُودٌ إنْ فَعَلاَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : يُعْتِقُ عَبْدَ صَغِيرٍ ، وَلاَ يُعْتِقُ عَبْدَ كَبِيرٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَعِتْقُ الْعَبْدِ , وَأُمِّ الْوَلَدِ , لِعَبْدِهِمَا جَائِزٌ , وَالْوَلاَءُ لَهُمَا , يَدُورُ مَعَهُمَا حَيْثُ دَارَا , وَمِيرَاثُ الْعِتْقِ لأََوْلَى النَّاسِ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْرَارِ عَصَبَتِهِ , أَوْ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا أُعْتِقَ فَإِنْ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لَهُ , أَوْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ , أَوْ لِعَصَبَتِهِمَا ; لأََنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا صِحَّةَ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ وَإِذْ هُوَ مَالِكٌ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ , وَالْعِتْقِ , وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَنَصَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَرِثُ , عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْمَوَارِيثِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَفِي " الْمُكَاتَبِ " بَعْدَ هَذَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ , فَهُوَ لِلْحُرِّ مِنْ عَصَبَتِهِ , وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ , لأََنَّهُ لاَ وَلاَءَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ , وَلاَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِهِ , فَإِذَا عَتَقَ صَحَّ الْمِيرَاثُ لَهُ , أَوْ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ حَامِلاً مِنْ غَيْرِهِ فَجَنِينُهَا حُرٌّ أَمْنَى فِيهَا أَوْ لَمْ يُمْنِ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حِمْيَرٍ : سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ يُلِمُّ بِهَا , لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ , وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ , وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهُ , فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَهُوَ حُرٌّ بِلاَ شَكٍّ , وَهُوَ غَيْرُ لاَحِقٍ بِهِ , وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الأَسْوَدِ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ جُبَيْرٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ فَإِنْ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ وَغَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَيْهِ فَلْيُعْتِقْهُ , وَلْيُوصِ لَهُ مِنْ مَالِهِ. وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ غَوْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيِّ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ الأَمَةِ الْحَامِلِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا قَالَ : رَأَتْ الْوُلاَةُ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْحَمْلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : وَإِنِّي أَرَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا , وَبَعْضِ الشَّافِعِيِّينَ. قال أبو محمد : سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالشَّامِ , وَغَوْثُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَاضِي مِصْرَ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ وَالْحَنَفِيُّونَ , وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيِّينَ : صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ كُلِّهِ , فَإِنْ كَانَ لَهُ غِنًى عَنْ مَمْلُوكِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِيهِ , وَإِلَّا فَلاَ. وقال مالك : لاَ يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وقال أبو حنيفة : وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَا , إِلاَّ أَنَّهُمَا أَجَازَا عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ , برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا. أَنَّ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ فَاسْتَقْرَضَ مَالاً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ , وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ , وَأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا , فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَا اسْتَقْرَضَ , وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ , فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِمَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ غِنًى , وَالْعِتْقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ , وَقَدْ يَرْزُقُ اللَّهُ عِبَادَهُ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَهَذَا بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ; لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ تَعَالَى مَالاً فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْزُقْهُ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ , وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْرِضُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مُوصَى بِعِتْقِهِ , وَالْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ , وَبَيْعُهُمَا حَلاَلٌ , وَالْهِبَةُ لَهُمَا كَذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ ، وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَدْ بَيَّنَّا عِلَّتَهُ هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ , أَوْ وَلَدَتْهُ : فَقَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا وَقَرْضُهَا , وَلِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ , فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , وَكُلُّ مَالِهَا فَلَهَا إذَا عَتَقَتْ , وَلِسَيِّدِهَا انْتِزَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ , فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِزِنًا , أَوْ إكْرَاهٍ , أَوْ نِكَاحٍ بِجَهْلٍ : فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أُعْتِقَتْ عَتَقُوا. قال أبو محمد : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ : خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ , فَقَالَ : شَاوَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ , فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ , وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ , فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ , قَالَ عَبِيدَةُ : فَرَأْيُ عُمَرُ , وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. قال أبو محمد : إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى عَبِيدَةُ , فَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَإِنَّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَبَوْنًا بَائِنًا , فَأَيْنَ الْمُحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الْمُشْتَهِرِ الْمُنْتَشِرِ وَأَنَّهُ إجْمَاعٌ , أَفَيَكُونُ اشْتِهَارًا أَعْظَمَ , وَانْتِشَارًا أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بَاقِي خِلاَفَتِهِ , وَعُثْمَانَ جَمِيعَ خِلاَفَتِهِ , فِي أَمْرٍ فَاشٍ عَامٍّ , ظَاهِرٍ مُطْبَقٍ , وَعَلِيٌّ مُوَافِقٌ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : بَاعَ عُمَرُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ ثُمَّ رَدَّهُنَّ حَتَّى رَدَّهُنَّ حَبَالَى مِنْ تَسَتُّرٍ فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَفْشُوَ حُكْمٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْفَشْوِ بِمِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُعْلَنِ وَالأَسَانِيدِ الْمُثِيرَةِ , ثُمَّ لَمْ يَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ إجْمَاعًا , بَلْ خَالَفَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَعَلَى أُصُولِ هَؤُلاَءِ الْجُهَّالِ قَدْ خَالَفَ عَلِيٌّ الْإِجْمَاعَ. وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ , فَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ عَالِمًا بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ كَافِرٌ , ثُمَّ لاَ يَسْتَحِبُّونَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ فَرَضَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ حَدًّا وَالْخِلاَفُ فِيهِ مِنْ عُمَرَ وَمِمَّنْ بَعْدَ عُمَرَ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ فِينَا لاَ نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ فِي إمَارَتِهِ وَعُمَرُ فِي نِصْفِ إمَارَتِهِ , وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَتَبَ فِي عَهْدِهِ : إنِّي تَرَكْت تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً فَأَيَّتُهُنَّ مَا كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ قُوِّمَتْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا بِمِيرَاثِهِ مِنِّي وَأَيَّتُهُنَّ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ وَلَدٍ فَهِيَ حُرَّةٌ فَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ : أَذَلِكَ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ قَالَ : نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : انْطَلَقْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَسْأَلُهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ : مَالُك , إنْ شِئْت بِعْت وَإِنْ شِئْت وَهَبْت. ثُمَّ انْطَلَقْت إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِذَا مَعَهُ رَجُلاَنِ فَسَأَلاَهُ فَقَالَ لأََحَدِهِمَا مَنْ أَقْرَأَك قَالَ : أَقْرَأَنِيهَا أَبُو عَمْرَةَ , وَأَبُو حَكِيمٍ الْمُزَنِيّ , وَقَالَ الآخَرُ : أَقْرَأَنِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , فَبَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ : أَقْرَأكُمَا أَقْرَأَك عُمَرُ فَإِنَّهُ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ ، وَلاَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ , فَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ الإِسْلاَمِ قَالَ زَيْدٌ : وَسَأَلْته عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ : تُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا. قال أبو محمد : هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَبَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ كَمَا تَرَى , فَأَيْنَ مُدَّعُو الْإِجْمَاعِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا نَعَمْ , وَفِيمَا لاَ خَيْرَ فِيهِ مِمَّا لاَ يَصِحُّ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ أُمَّ حُيَيِّ أُمَّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ صُهَيْبٍ يُقَالُ لأَبْنِهَا : خَالِدٌ , فَأَقَامَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَالِ وَلَدِهَا وَجَعَلَهَا فِي نَصِيبِهِ. قَالَ عَطَاءٌ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ تُعْتَقُ أُمُّ الْوَلَدِ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهَا بِعِتْقِهَا وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَبُو بَكْرٍ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ عُمَرَ قَوْلٌ آخَرُ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ هَرِمِ بْنِ نَسِيبٍ , وَمَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْهَمْدَانِيِّ , كِلاَهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ : إذَا عَفَتْ وَأَسْلَمَتْ عَتَقَتْ , وَإِنْ كَفَرَتْ وَفَجَرَتْ أُرِقَّتْ. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا : عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ ارْتَدَّتْ وَتَوَقَّفَ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُغَلِّسِ , وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ إبْطَالُ بَيْعِهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ , وَعَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ , وَالْحَسَنِ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَالزُّهْرِيِّ , وَأَبِي الزِّنَادِ , وَرَبِيعَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَسُفْيَانَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالاَر , وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قال أبو محمد : أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَايَةً فِي صِحَّةِ السَّنَدِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى مُسْنَدًا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : كُنَّا نُخْرِجُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ , وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ : كُنَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ نَقُولُ : أَبُو بَكْرٍ , ثُمَّ عُمَرُ , ثُمَّ عُثْمَانُ , ثُمَّ نَتْرُكُ فَلاَ نُفَاضِلُ وَيَرَى هَذَا حُجَّةً. أَنْ يَرَى قَوْلَ جَابِرٍ هَذَا حُجَّةً , وَإِلَّا فَهُوَ مُتَلاَعِبٌ. قال أبو محمد : وَأَمَّا مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ عليه الصلاة والسلام فَنَظَرْنَا : هَلْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ مَنْعٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ , وَإِلَّا فَلاَ فَ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا فَهَذَا خَبَرٌ جَيِّدُ السَّنَدِ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَةٌ. وَسَمِعْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : {إنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رُوِّينَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ فِي صَدْرِ " كِتَابِ الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا : أَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَنِيِّ أَبِيهِ وَمَنِيِّ أُمِّهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ بَعْضُهَا وَبَعْضُ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ هُوَ أَبُو أُسَامَةَ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ : أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ. وَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ بَعْضَ أَبِيهِ وَبَعْضَ أُمِّهِ , وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : : مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَى أَبِيهِ , وَأَنْ لاَ يَمْلِكَهُ أَحَدٌ , فَلِمَا وَجَبَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنَّ بَعْضَهَا حُرٌّ , وَإِذْ بَعْضُهَا حُرٌّ فَكُلُّهَا حُرٌّ. وَلَمَّا لَمْ يُبِنْ عليه الصلاة والسلام أُمَّ إبْرَاهِيمَ ، رضي الله عنها عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَزَلْ يَسْتَبِيحُهَا بَعْدَ الْوِلاَدَةِ صَحَّ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَالتَّصَرُّفِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : برهان ضَرُورِيٌّ قَاطِعٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُسَوِّغُ لِلْحَنَفِيَّيْنِ الأَحْتِجَاجَ بِهِ ; لأََنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ : أَنَّ مَنْ رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي خَبَرِ أُمِّ إبْرَاهِيمَ عليها السلام وَهُوَ يَرَى بَيْعَ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ. فَقَدْ تَرَكَ مَا رَوَى , وَمَا يَثْبُتُ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِنَّ ; لأََنَّ عَلِيًّا , وَابْنَ الزُّبَيْرِ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَابْنَ مَسْعُودٍ بَعْد عُمَرَ : أَبَاحُوا بَيْعَهُنَّ , وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَاهُنَا فَكَذِبٌ ابْتَدَعُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهَا يَحْرُمُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ , مِمَّا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ , فَإِنَّ النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَرَدَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَكُونُ نُطْفَةً , ثُمَّ عَلَقَةً , ثُمَّ مُضْغَةً , ثُمَّ عِظَامًا مَكْسُوَّةً لَحْمًا , ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. وَالنُّطْفَةُ : اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْمَاءِ , فَالنُّطْفَةُ لَيْسَتْ وَلَدًا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَخُرُوجِهَا إثْرَ ذَلِكَ , وَبَيْنَ خُرُوجِهَا كَذَلِكَ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا دَامَتْ نُطْفَةً فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نُطْفَةً إلَى أَنْ تَكُونَ عَلَقَةً , فَهِيَ حِينَئِذٍ وَلَدٌ مُخَلَّقٌ. وَقَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا انْتِزَاعُهُ مَالَهَا صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فإن قيل : كَيْفَ تَكُونُ مُعْتَقَةٌ حُرَّةٌ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا قلنا : كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى ذَلِكَ , لاَ كَمَا اشْتَهَتْ الْعُقُولُ الْفَاسِدَةُ , وَالشَّارِعَةُ بِآرَائِهَا الزَّائِفَةِ , وَلاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ , وَقَدْ قُلْتُمْ : إنَّ الْمُكَاتَبَ لاَ عَبْدٌ فَيَبْتَاعُ وَيُسْتَخْدَمُ , وَلاَ تُوطَأُ الْمُكَاتَبَةُ , وَعَبْدٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ , وَلاَ حُرَّةَ فَتَطْلُقُ , وَحُرَّةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا وَوَطْئِهَا , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا قُلْتُمُوهُ بِآرَائِكُمْ فَجَوَّزْتُمُوهُ , فَلَمَّا وَجَدْتُمُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام أَنْكَرْتُمُوهُ , أَلاَ هَذَا هُوَ الْهَوَسُ الْمُهْلِكُ فِي الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَهُوَ كَمَا قلنا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بَعْضُهَا , فَحُكْمُهُ كَحُكْمِهَا , وَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لاَ يَحْرُمُ بَيْعُهَا إِلاَّ بِأَنْ تَكُونَ فِي حِينِ أَوَّلِ حَمْلِهَا فِي مِلْكِ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُ وَلَدِهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ , ثُمَّ مَلَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْوَلَدُ حَيًّا , فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , فأما لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا إِلاَّ مَنْ نُفِخَ الرُّوحُ فِيهِ , فَصَارَ غَيْرَهَا , فَلَمْ يَكُنْ بَعْضَهَا حُرًّا قَطُّ , فَلاَ حُرِّيَّةَ لَهَا , وَلَهُ بَيْعُهَا , فَلَوْ بَاعَهَا وَاَلَّذِي فِي رَحِمِهَا نُطْفَةٌ بَعْدُ فَإِنَّهُ إنْ خَرَجَتْ عَنْ رَحِمِهَا وَهِيَ نُطْفَةٌ بَعْدُ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ ; لأََنَّهَا نُطْفَةٌ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ , فَإِنْ صَارَتْ مُضْغَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ ; لأََنَّهُ بَاعَهَا وَبَعْضُهَا مُضْغَةٌ مُخَلَّقَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ , فَهِيَ مِنْ أَوَّلِ وُقُوعِهَا إلَى خُرُوجِهَا وَلَدٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَوْ أَنَّ حُرًّا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَتَقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ لَمْ يَرِث أَبَاهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ , وَكَانَ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ , فَلَوْ مَاتَ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ مَنْ يَرِثُهُ بِرَحِمٍ أَوْ وَلاَءٍ وَرِثَهُ إنْ خَرَجَ حَيًّا ; لأََنَّهُ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ حُرًّا. فَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ : فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِ , وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَيُورَثُ لَهُ أَوْ لاَ يَرِثُ بِهِ ، وَلاَ يُورَثُ بِهِ لأَخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ , فَخَرَجَ إلَى الدُّنْيَا مُسْلِمًا عَلَى غَيْرِ دِينِ أَبِيهِ , وَعَلَى غَيْرِ حُكْمِ الدِّينِ الَّذِي لَوْ تَمَادَى عَلَيْهِ لَوَرِثَ أَبَاهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلاً قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ [ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ ] فَتَمَلَّكَهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ فَاسْتَرَقَّهَا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ , لأََنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الدُّنْيَا إِلاَّ مَمْلُوكًا لاَ يَرِثُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَنِينُ الْمِيرَاثَ بِبَقَائِهِ حُرًّا عَلَى دِينِ مَوْرُوثِهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْمَوْرُوثُ إلَى أَنْ يُولَدَ حَيًّا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً تَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلاً فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْجَنِينُ بِعِتْقِهَا , فَإِنَّ نَسَبَهُ لاَحِقٌ , وَلاَ يَرِثُ أَبَاهُ ; لأََنَّ أَبَاهُ مَاتَ حُرًّا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُورَثُ بِهَا وَيَرِثُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَرِثَهُ إنْ وُلِدَ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا
|